responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 505
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ مَنْ لَا يُؤْمِنُ باللَّه وَلَا يُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ، فَإِنَّ غَايَةَ السَّعَادَةِ وَالْبَهْجَةِ عِنْدَهُ لَيْسَتْ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَوِيَّةَ. وَمَنْ كَانَ هَذَا مُعْتَقَدَهُ فَإِنَّهُ يَشِحُّ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ وَلَا يُعَرِّضُهَا لِلزَّوَالِ، أَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا سَعَادَةَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ وَأَنَّ السَّعَادَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي بِهَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا وَلَا يُقِيمُ لَهَا وَزْنًا، فَيُقْدِمُ عَلَى الْجِهَادِ بِقَلْبٍ قَوِيٍّ وَعَزْمٍ صَحِيحٍ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، كَانَ الْوَاحِدُ مِنْ هَذَا الْبَابِ يُقَاوِمُ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْكُفَّارَ إِنَّمَا يُعَوِّلُونَ عَلَى قُوَّتِهِمْ وَشَوْكَتِهِمْ، وَالْمُسْلِمُونَ يَسْتَعِينُونَ بِرَبِّهِمْ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ بِهِ أَلْيَقَ وَأَوْلَى.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ وَجْهٌ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَصْحَابُ الرِّيَاضَاتِ وَالْمُكَاشَفَاتِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ قَلْبٍ اخْتَصَّ بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ كَانَ صَاحِبُهُ مَهِيبًا عِنْدَ الْخَلْقِ، وَلِذَلِكَ إِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ الْعَالِمُ عِنْدَ عَالَمٍ مِنَ النَّاسِ الْأَقْوِيَاءِ الْجُهَّالِ الْأَشِدَّاءِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الْأَقْوِيَاءَ الْأَشِدَّاءَ الْجُهَّالَ يَهَابُونَ ذَلِكَ الْعَالِمَ وَيَحْتَرِمُونَهُ وَيَخْدِمُونَهُ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ السِّبَاعَ الْقَوِيَّةَ إِذَا رَأَتِ الْآدَمِيَّ هَابَتْهُ وَانْحَرَفَتْ عَنْهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّ الْآدَمِيَّ بِسَبَبِ مَا فِيهِ مِنْ نُورِ الْعَقْلِ يَكُونُ مَهِيبًا، وَأَيْضًا الرَّجُلُ الْحَكِيمُ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى قَلْبِهِ نُورُ مَعْرِفَةِ اللَّه تَعَالَى، فَإِنَّهُ تَقْوَى أَعْضَاؤُهُ وَتَشْتَدُّ جَوَارِحُهُ، وَرُبَّمَا قَوِيَ عِنْدَ ظُهُورِ التَّجَلِّي فِي قَلْبِهِ عَلَى أَعْمَالٍ يَعْجِزُ عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَقْدَمَ عَلَى الْجِهَادِ فَكَأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ فِي طَلَبِ رِضْوَانِ اللَّه. فَكَانَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمُشَاهِدِ لِنُورِ جَلَالِ اللَّه فَيَقْوَى قَلْبُهُ وَتَكْمُلُ رُوحُهُ وَيَقْدِرُ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ أَحْوَالٌ مِنْ بَابِ الْمُكَاشَفَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى قُوَّةً مِنَ الْكَافِرِ/ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَذَاكَ لِأَنَّ ظُهُورَ هَذَا التَّجَلِّي لَا يَحْصُلُ إِلَّا نادراً وللفرد بعد الفرد. واللَّه أعلم.

[سورة الأنفال (8) : آية 66]
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
رُوِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ الْعَشَرَةَ إِلَى وَجْهِ الْمِائَةِ، بَعَثَ حَمْزَةَ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا قِبَلَ بَدْرٍ إِلَى قَوْمٍ فَلَقِيَهُمْ أَبُو جَهْلٍ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَرَادُوا قِتَالَهُمْ، فَمَنَعَهُمْ حَمْزَةُ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّه عَبْدَ اللَّه بْنَ أُنَيْسٍ إِلَى خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ الْهُذَلِيِّ وَكَانَ فِي جَمَاعَةٍ، فَابْتَدَرَ عَبْدُ اللَّه وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه صِفْهُ لِي، فَقَالَ: «إِنَّكَ إِذَا رَأَيْتَهُ ذَكَرْتَ الشَّيْطَانَ وَوَجَدْتَ لِذَلِكَ قَشْعَرِيرَةً وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ جَمَعَ لِي فَاخْرُجْ إِلَيْهِ وَاقْتُلْهُ» قَالَ: فَخَرَجْتُ نَحْوَهُ فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ وَجَدْتُ الْقَشْعَرِيرَةَ فَقَالَ لِي: مَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ لَهُ مِنَ الْعَرَبِ سَمِعْتُ بِكَ وَبِجَمْعِكَ؟ وَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا تَمَكَّنْتُ مِنْهُ قَتَلْتُهُ بِالسَّيْفِ وَأَسْرَعْتُ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ. فَأَعْطَانِي عَصًا وَقَالَ: «أَمْسِكْهَا فَإِنَّهَا آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ثُمَّ إِنَّ هَذَا التَّكْلِيفَ شَقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَزَالَهُ اللَّه عَنْهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ
قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَ التَّكْلِيفُ الْأَوَّلُ ضَجَّ الْمُهَاجِرُونَ، وَقَالُوا: يَا رَبِّ نَحْنُ جِيَاعٌ وَعَدُوُّنَا شِبَاعٌ، وَنَحْنُ فِي غُرْبَةٍ وَعَدُوُّنَا فِي أَهْلِيهِمْ، وَنَحْنُ قَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَوْلَادِنَا وَعَدُوُّنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْأَنْصَارُ: شُغِلْنَا بِعَدُوِّنَا وَوَاسَيْنَا إِخْوَانَنَا، فَنَزَلَ التَّخْفِيفُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّمَا أُمِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَصْبِرَ لِعَشَرَةٍ، وَالْعَشَرَةُ لِمِائَةٍ حَالَ مَا

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 505
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست